التذوق اللغوي عند الأطفال
في مسألة تربية الأطفال تبرز أهمية اللغة كعنصر بنائي أساسي في حياتهم، واللغة هي أساس التعليم، والإنسان الذي يتعلمها هو إنسان نام وقادر على مواكبة النمو باستمرار، وذلك يسبب كون اللغة نتيجة من نتائج النمو، ومؤدبة إلى زيادته في الوقت نفسه، وهذا ما يجعلها مظهراً من مظاهر الشخصية الإنسانية، وعاملاً من عوامل نموها وبنائها.
واللغة أداة تفكير وتواصل أي من صميم ما يحدد كيان إنسانية الإنسان، لذا لا يمكن التعرف على الإنسان خارج الحقل اللغوي، كما لا يمكن وجود لغة دون أناس يتكلمونها، ومن دون اللغة لن يتمكن الشخص من معرفة أبعاده العميقة مثل: الحرية، والقيم، والتملك.
وبما أن اللغة ملتقى مجموع أبعاد الشخص؛ وجب أن تتبوأ المرتبة الأولى في حياته.
واللغة ليست شيئاً خاصاً بفرد بل ملكاً مشتركاً، إنها بين المرء وشعوره، بين الشعور كحالات وأحاسيس وبين إبرازه كأحداث وأفعال.
ولغة الإنسان تلزمه أمام نفسه وأمام المجتمع، وتقيد سلوكه، وتفرض عليه مسؤولية، ويتدرج الإنسان من كائن متكلم إلى كائن له كلمة، أي يفي بالعهد وبالكلمة، ومعنى ذلك أن الطابع الشخصي للسلوك الفردي من الناحية الأخلاقية هو المحافظة على الكلمة.
وذو الكلمة هو أيضاً ذو سلطة ما دامت الكلمة قوة تخول صاحبها أن يتصرف في الكائنات.
التذوق اللغوي والفني:
تتعلق الاعتبارات التربوية والسيكولوجية لأدب الأطفال بناحيتين:
1- نمو عند الأطفال وعلاقتها بخصائصهم بما في ذلك: الفروق الفردية والبيئية والاجتماعية.
2- مراحل النمو اللغوي عند الأطفال، بما في ذلك مشكلة القاموس المشترك للطفل، ومراعاة السمات المميزة للغة العربية، وأساليب الكتابة ومواقف الأطفال منها.
وينبغي أن تتمشى طرائق تنمية التذوق اللغوي مع الاعتبارات التربوية السابقة، وأجناس أدب الأطفال الجيدة من قصة وقصيدة قصيرة وغير ذلك، تعرف طريقها إلى وجدان الأطفال، وتجذب انتباههم، وتثير فيهم عوامل التقدير والإعجاب، وتصل بهم إلى درجة التذوق، ومراحل التعاطف والاندماج.
ويعرّف الذوق الفني: بأنه ملكة الإدراك، والتمتع بما هو جميل في الفن والأدب1، وكان الفيلسوف الألماني (كانت) صاحب أول دراسة منهجية للذوق الفني وتمثل هذه الدراسة قسماً من كتابه نقد الحكم الذي صدر عام 1790 م، ويعرف الذوق2.
وتذوق الشيء معناه كما يقول (د. ستانلي جاكسون): إدراك قيمته إدراكاً يجعلنا نشعر شعوراً شخصياً مباشراً، وفي الوقت نفسه نشعر حياله برابطة وجدانية، تدفعنا إلى تقديره وحبه، والاندماج فيه بحرارة وحماسة3.
وإذا كان التذوق أمراً يغلب عليه الوجدان أو الانفعال فإنه إلى جانب ذلك يتصل بالتفكير، ويحتاج إلى قدر من الفهم، ولهذا نكون أكثر استعداداً لتذوق الشيء إذا ما فهمنا معناه.
وللتذوق على هذه الصورة أهميته الخاصة في مجال التربية لأسباب منها:
1- إنه يحوي بين طياته إدراكنا لقيمة الشيء، وارتباطنا الوجداني به4.
2- إن اللغة وما تضمنه من تراث أدبي هي وسيلة من أهم الوسائل التي نتعرف عن طريقها على عالمنا حاضره وماضيه، وما لم نصل إلى درجة مناسبة من فهم اللغة وتذوقها فلن نستطيع أن نفهم هذا التراث، ونتذوقه حق التذوق.
3- إن اختيار ألفاظ اللغة، وفهم دقائقها، واستعمالها بوضوح وتحديد؛ لا يتم بصورة مرضية، ما لم نصل إلى مرحلة تذوق اللغة.
4- للتذوق صلته الوثيقة بالذوق السليم، وتكرار التذوق يكسب الفرد معايير ذوقية سليمة تنعكس على تصرفاته الأخرى، فنراه يقدر كل ما هو جيد، ويهدف في عمله إلى الإجادة والإتقان.
5- وأخيراً فإن التذوق اللغوي يزيد من استمتاع الفرد بلغته حين يستعملها في الحديث أو الكتابة أو القراءة أو الغناء، ويزيد من استمتاعه بحياته، ويفتح له آفاقاً رحبة فسيحة حين يقضي بعض وقته مع كبار الكتّاب والأدباء والمفكرين على صفحات كتبهم.
تربية التذوق اللغوي:
إن البحث في الذوق من حيث أنه فطري أو مكتسب أمر لا يعنينا التوغل في بحثه، وإنما الذي يعنينا أن نؤكده، هو أن في الذوق قدراً مكتسباً هو الجانب العملي المكون من طول الممارسة والمصاحبة لأكبر قدر من الآثار الفنية، ويفيدنا هذا الكلام في تربية التذوق اللغوي عند الطفل.
وثمة عوامل تساعد على تربية التذوق اللغوي عند الطفل، منها:
1- كثرة الممارسة: لكي يتذوق ما في الأدب من جمال يجب أن نمده بكثير من ألوان الأدب الجيد عن طريق القصص وما إليها، أما الوقوف عند ما هو دون الكفاية في هذا المجال فلا يصل بالناشئ إلى درجة كافية من التذوق الفني5.
2- الطريقة المتبعة في تعليم اللغة: وتعد الطريقة التي تعلم بها اللغة عاملاً من عوامل التحصيل، وسبيلاً من سبل التذوق اللغوي، إذا ما توافرت فيها الشروط التالية:
أن تتيح للطفل فرص التدريب على الممارسة اللغوية في مختلف المواقف، وتزيل عنه دوافع التهيب والخجل.
أن تكون الظروف التي يتم فيها تعليم اللغة أقرب ما تكون إلى الظروف الطبيعية.
أن تخلق الرغبة في الممارسة، وتشجيع المحاولات التي يبديها الطفل في هذا الصدد.
أن تعتمد الوسائل المثيرة، والمساعدة على تشخيص الأحداث والأوضاع والعلاقات التي تتخذ منطلقاً للتدريب على استعمال اللغة.
أن تراعي طبيعة النمو اللغوي عند الطفل، بحيث تركز على الفهم أولاً، والاستعمال ثانياً، وعلى التكامل بين التدريب المباشر والاستعمال التلقائي.
3- كثرة القراءة: وتظل القراءة من أهم وسائل إتقان اللغة، وعاملاً من عوامل التدريب على استعمال وفهم عناصرها، ولا تكون كذلك إلا إذا استثمرها المعلمون، واتخذوها مصدراً لتعليم اللغة، وتنمية التفكير، وتربية التذوق، والتدريب على تحليل الأفكار المكتوبة ونقدها وتقدير قيمتها.
4- جهود الأطفال الابتكارية: وكثيراً ما يستطيع الأطفال بخبرتهم القليلة أن يكونوا مبتكرين بدرجة لا تخطر لنا على بال، والتوجيه الرقيق الواعي لجهودهم الابتكارية في كتابة القصص والقصائد والتمثيليات القصيرة وما إلى ذلك؛ يقدم مساعدة قيمة في عمليات استثارة تذوق الأطفال للأسلوب الأدبي6.
وأخيراً إذا كان التذوق عملية مكتسبة فإن الالتفات إلى تنميته عند الطفل أمر بديهي، لأن مرحلته العمرية تعين على عملية الاكتساب، ونأمل أن يحتل أي أسلوب من أساليب اللقاء بين المربي والطفل مكانة مرموقة في تنمية التذوق عند الطفل، وخصوصاً التذوق اللغوي، لأن لغتنا العربية هي لغة القرآن الكريم الأجدر بالتعلم، وهي الرابطة التي تربط بين أبناء الأمة، وتجمع كلمتهم، وإن أي تفريط فيها يؤدي إلى ضياع فكري، وتباعد بين الماضي والحاضر.
___________________________
1- د: محمد عبد السلام كفافي: في الأدب المقارن، دار النهضة العربية، بيروت، ط1، 1971م، ص109
2- المرجع السابق، ص110.
3- أحمد نجيب: فن الكتابة للأطفال، دار اقرأ، بيروت ط2، 1983 م، ص95.
4- المرجع السابق، ص96.
5- المرجع السابق، ص97.
6- المرجع السابق، ص98.
بهاء الدين الزهري